الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ عَنْ ابْتِدَائِهِ وَيَتَقَدَّمُ عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ.
الشرحُ وَالشَّرْطُ السَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ الْمُتَابَعَةُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ. (فَصْلٌ) تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ: لَا فِي أَقْوَالِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي وَكَمَالُ الْمُتَابَعَةِ يَحْصُلُ (بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ (عَنْ ابْتِدَائِهِ) أَيْ الْإِمَامِ: أَيْ ابْتِدَاءِ فِعْلِ الْإِمَامِ (وَيَتَقَدَّمُ) ابْتِدَاءُ فِعْلِ الْمَأْمُومِ (عَلَى فَرَاغِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْفِعْلِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ (إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا)، وَافْهَمْ تَحْرِيمَ التَّقَدُّمِ فِي الْأَفْعَالِ وَإِنْ لَمْ تُبْطِلْ كَأَنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْأَفْعَالِ عَنْ الْأَقْوَالِ كَالتَّشَهُّدِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَإِلَّا فِي السَّلَامِ فَيَبْطُلُ تَقَدُّمُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ، فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَاهَا، وَمَا وَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَمُتَابَعِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، خِلَافُ الْمَنْقُولِ. فَإِنْ قِيلَ: تَفْسِيرُهُ الْمُتَابَعَةُ بِمَا ذُكِرَ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ فَإِنْ قَارَنَهُ لَمْ يَضُرَّ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ الْمُتَابَعَةِ الْكَامِلَةِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، أَوْ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ: أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُتَابَعَةِ حُكْمُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي كُلِّهَا وَاجِبَةٌ، وَالتَّقَدُّمُ بِجَمِيعِهَا مُبْطِلٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالْحُكْمُ ثَانِيًا بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِلْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْرَادُ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْكُلِّ غَيْرُ الْحُكْمِ عَلَى الْأَفْرَادِ، وَهَذَا كَقَوْلِ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ السُّنَنِ الطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مَعَ أَنَّ الْأُولَى وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَلَوْ بِوَجْهٍ بَعِيدٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّنَاقُضِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ ذِكْرُ مَا ذَكَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْمُتَابَعَةِ الْوَاجِبَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَقَوْلِنَا، تَجِبُ الصَّلَاةُ بِفِعْلِ كَذَا وَكَذَا فَيَذْكُرُ أَوَّلًا وُجُوبَهَا ثُمَّ يُفَسِّرُ كَمَالَهَا، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّبَعِيَّةِ بَدَلَ الْمُتَابَعَةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ تَقْتَضِي الْمُفَاعَلَةَ غَالِبًا.
المتن فَإِنْ قَارَنَهُ لَمْ يَضُرَّ إلَّا تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ.
الشرحُ (فَإِنْ قَارَنَهُ) فِي فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ (لَمْ يَضُرَّ) أَيْ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّ الْقُدْوَةَ مُنْتَظِمَةٌ لَا مُخَالَفَةَ فِيهَا. نَعَمْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ وَمُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِارْتِكَابِهِ الْمَكْرُوهَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ حَيْثُ فَعَلَ مَكْرُوهًا مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ مُخَالَفَةِ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْمُوَافَقَةِ وَالْمُتَابَعَةِ كَالِانْفِرَادِ عَنْهُمْ فَاتَهُ فَضْلُهَا إذْ الْمَكْرُوهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ مَعَ أَنَّ صَلَاتَهُ جَمَاعَةٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ فَضْلِهَا انْتِفَاؤُهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ حُصُولِ الْجَمَاعَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الثَّوَابِ فِيهَا؟. أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا إمَّا عَلَى الْعَيْنِ أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِقِيَامِ الشِّعَارِ ظَاهِرًا، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمُقَارَنَةِ الْمُفَوِّتَةِ لِذَلِكَ الْمُقَارَنَةُ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ أَوْ يُكْتَفَى بِمُقَارَنَةِ الْبَعْضِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ فِي رُكْنٍ وَاحِدٍ لَا تُفَوِّتُ ذَلِكَ: أَيْ فَضِيلَةَ كُلِّ الصَّلَاةِ بَلْ مَا قَارَنَ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ رُكْنًا أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا ثَوَابُ الصَّلَاةِ فَلَا يَفُوتُ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا صَلَّى بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ فَالْمَكْرُوهُ أَوْلَى. وَلَا يُقَالُ هَذَا لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ. لِأَنَّا نَقُولُ: وَهَذَا الْمَكْرُوهُ كَذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ لِذَاتِ الصَّلَاةِ لَمَنَعَ انْعِقَادَهَا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (إلَّا) فِي (تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) فَإِنَّهُ إنْ قَارَنَهُ فِيهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا أَوْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ عَنْ قُرْبٍ هَلْ قَارَنَهُ فِيهَا أَمْ لَا ؟ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَوْ ظَنَّ التَّأَخُّرَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، هَذَا إذَا نَوَى الِائْتِمَامَ مَعَ التَّكْبِيرِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ مُصَلٍّ فَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَتِهِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ، وَفَارَقَ ذَلِكَ الْمُقَارَنَةَ فِي بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ بِانْتِظَامِ الْقُدْوَةِ فِيهَا لِكَوْنِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْبُطْلَانُ بِمَا إذَا نَوَى الِائْتِمَامَ مَعَ التَّكْبِيرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ اقْتَدَى فَإِنَّهُ تَصِحُّ قُدْوَتُهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ تَكْبِيرُهُ عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ.
تَنْبِيهٌ: اسْتِثْنَاءُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْأَفْعَالِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّهُ رُكْنٌ قَوْلِيٌّ. نَعَمْ يَصِيرُ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَقَضِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُ شُرُوعِ الْمَأْمُومِ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُ جَمِيعِهَا عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُقَارَنَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْمُسَاوَقَةِ، لِأَنَّ الْمُسَاوَقَةَ فِي اللُّغَةِ مَجِيءُ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ لَا مَعًا.
المتن وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ بِأَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (وَإِنْ تَخَلَّفَ) الْمَأْمُومُ (بِرُكْنٍ) فِعْلِيٍّ عَامِدًا بِلَا عُذْرٍ (بِأَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ) أَيْ الْمَأْمُومُ (فِيمَا قَبْلَهُ) كَأَنْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ رَفْعَ الِاعْتِدَالِ وَالْمَأْمُومُ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ تَخَلُّفٌ يَسِيرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ طَوِيلًا كَالْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ أَمْ قَصِيرًا كَأَنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَهَوَى مِنْ الْجِلْسَةِ بَعْدَهَا لِلسُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِي: تَبْطُلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. أَمَّا إذَا تَخَلَّفَ بِدُونِ رُكْنٍ كَأَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ دُونَ الْمَأْمُومِ ثُمَّ لَحِقَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، أَوْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ لِعُذْرٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ قَطْعًا.
المتن أَوْ بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ فَرَغَ مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بَطَلَتْ:
الشرحُ (أَوْ) تَخَلَّفَ (بِرُكْنَيْنِ) فِعْلِيَّيْنِ (بِأَنْ فَرَغَ) الْإِمَامُ (مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا) كَأَنْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ هَوِيَّ السُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) كَأَنْ تَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ أَوْ لِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِكَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ سَوَاءٌ أَكَانَا طَوِيلَيْنِ كَأَنْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ شَرَعَ فِي الِاعْتِدَالِ أَمْ طَوِيلًا وَقَصِيرًا كَالْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ. وَأَمَّا كَوْنُهُمَا قَصِيرَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ.
المتن وَإِنْ كَانَ بِأَنْ أَسْرَعَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فَقِيلَ يَتْبَعُهُ وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ، وَالصَّحِيحُ يُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، وَهِيَ الطَّوِيلَةُ.
الشرحُ (وَإِنْ كَانَ) عُذْرٌ (بِأَنْ أَسْرَعَ) الْإِمَامُ (قِرَاءَتَهُ) مَثَلًا أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ لِعَجْزٍ لَا لِوَسْوَسَةٍ (وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ) وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا لَاعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ (فَقِيلَ يَتْبَعُهُ) لِتَعَذُّرِ الْمُوَافِقِ (وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ) لِلْعُذْرِ فَأَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَخَلَّفَ كَانَ مُتَخَلِّفًا بِغَيْرِ عُذْرٍ (وَالصَّحِيحُ) لَا يَتْبَعُهُ بَلْ (يُتِمُّهَا) وُجُوبًا (وَيَسْعَى خَلْفَهُ) أَيْ الْإِمَامَ عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ (مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ) بَلْ بِثَلَاثَةٍ فَمَا دُونِهَا (مَقْصُودُهُ) فِي نَفْسِهَا (وَهِيَ الطَّوِيلَةُ) أَخْذًا مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ فَلَا يُعَدُّ مِنْهَا الْقَصِيرُ، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُمَا قَصِيرَانِ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ إنَّ الرُّكْنَ الْقَصِيرَ مَقْصُودٌ فَيَسْعَى خَلْفَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، أَوْ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْهَا بِأَنْ ابْتَدَأَ الرَّفْعَ اعْتِبَارًا بِبَقِيَّةِ الرَّكْعَةِ.
المتن فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ. فَقِيلَ يُفَارِقُهُ، وَالْأَصَحُّ يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ، بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِشُغْلِهِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَمَعْذُورٌ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُوَافِقِ.
الشرحُ (فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ) مِنْ الثَّلَاثَةِ بِأَنْ لَمْ يَفْرَغْ مِنْ الْفَاتِحَةِ إلَّا وَالْإِمَامُ قَائِمٌ عَنْ السُّجُودِ أَوْ جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ (فَقِيلَ يُفَارِقُهُ) بِالنِّيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ (وَالْأَصَحُّ) لَا تَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ بَلْ (يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ) مَا فَاتَهُ كَالْمَسْبُوقِ لِمَا فِي مُرَاعَاةِ نَظْمِ صَلَاتِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ (وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ) الْمَأْمُومُ (الْفَاتِحَةَ لِشُغْلِهِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ) أَوْ التَّعَوُّذِ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ (فَمَعْذُورٌ) فِي التَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِهَا كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرَاغِ مِنْ الرُّكْنِ الِانْتِقَالُ عَنْهُ لَا الْإِتْيَانُ بِالْوَجَبِ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مُلَابَسَةُ الْإِمَامِ رُكْنًا آخَرَ (هَذَا كُلُّهُ فِي) الْمَأْمُومِ (الْمُوَافِقِ) وَهُوَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَحَلَّ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الْمُعْتَدِلَةِ. .
المتن فَأَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ تَرَكَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ
الشرحُ أَمَّا الْمَسْبُوقُ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فَهُوَ مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (فَأَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي) أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ (فَاتِحَتِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ) أَوْ بِأَحَدِهِمَا (تَرَكَ قِرَاءَتَهُ) لِبَقِيَّةِ فَاتِحَتِهِ (وَرَكَعَ) مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ غَيْرَ مَا قَرَأَهُ (وَهُوَ) بِالرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ (مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ) كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّ الْفَاتِحَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ وَيَرْكَعُ مَعَهُ وَيُجْزِئُهُ، فَإِنْ تَخَلَّفَ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِإِتْمَامِهَا وَفَاتَهُ الرُّكُوعُ مَعَهُ وَأَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ بَطَلَتْ رَكْعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي مُعْظَمِهَا وَكَانَ تَخَلُّفُهُ بِلَا عُذْرٍ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْمَسْبُوقِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ رَكَعَ فِيهَا. وَإِلَّا لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ.
الشرحُ وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا لَزِمَهُ قِرَاءَتُهَا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا رُخْصَةٌ وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي (وَإِلَّا) بِأَنْ اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ (لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ حُرُوفِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِعُدُولِهِ عَنْ فَرْضٍ إلَى نَفْلٍ. وَالثَّانِي يُوَافِقُهُ مُطْلَقًا، وَيَسْقُطُ بَاقِيهَا لِحَدِيثِ (إذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا)، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ جَمَاعَةٍ. وَالثَّالِثُ: يُتِمُّ الْفَاتِحَةَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْقِيَامَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهَا فَلَزِمَتْهُ إنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا، وَالشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْإِمَامِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا، أَوْ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا قُلْنَا: التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا فَاتَتْ بِهِ رَكْعَةٌ فَهُوَ كَالتَّخَلُّفُ بِهَا. أَمَّا الْمُتَخَلِّفُ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ لِيَقْرَأَ قَدْرَ مَا فَاتَهُ، فَقَالَ الشَّيْخَانِ: كَالْبَغَوِيِّ هُوَ مَعْذُورٌ لِإِلْزَامِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْمُتَوَلِّي كَالْقَاضِي حُسَيْنٍ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِاشْتِغَالِهِ بِالسُّنَّةِ عَنْ الْفَرْضِ أَيْ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَإِمَامِهِ، وَلَا يَرْكَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ بَلْ يُتَابِعُهُ فِي هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ بِعُذْرِهِ فِي التَّخَلُّفِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ وَلَا بُطْلَانَ لِتَخَلُّفِهِ قَطْعًا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ لَمْ تَفُتْهُ الرَّكْعَةُ: اللَّهُمَّ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَصُورَةُ التَّخَلُّفِ لِلْقِرَاءَةِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ سُجُودِهِ وَإِلَّا فَلْيُتَابِعْهُ قَطْعًا وَلَا يَقْرَأْ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي إحْيَائِهِ، وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ عَلَى أَنَّ صُورَتَهَا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ فِي رُكُوعِهِ وَإِلَّا فَيُفَارِقُهُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ إلَّا عِنْدَ هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَخَلِّفًا بِرُكْنَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِتَقْصِيرِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ إدْرَاكَهُ فِي الرُّكُوعِ فَأَتَى بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَأَعْرَضَ عَنْ السُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا يَرْكَعُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ مِنْ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ ا هـ. وَهَذَا الْمُقْتَضَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْصِيرَهُ بِمَا ذُكِرَ مُنْتَفٍ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ.
المتن وَلَا يَشْتَغِلُ الْمَسْبُوقُ بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ بَلْ بِالْفَاتِحَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ إدْرَاكَهَا
الشرحُ (وَلَا يَشْتَغِلُ الْمَسْبُوقُ) نَدْبًا (بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ) كَدُعَاءِ افْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ (بَلْ) يَشْتَغِلُ (بِالْفَاتِحَةِ) فَقَطْ لِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِ الْفَرْضِ أَوْلَى وَيُخَفِّفُهَا حَذَرًا مِنْ فَوَاتِهَا (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) أَيْ يَظُنَّ (إدْرَاكَهَا) مَعَ اشْتِغَالِهِ بِالسُّنَّةِ كَعَادَةِ الْإِمَامِ فَيَأْتِي بِهَا ثُمَّ يَأْتِي بِالْفَاتِحَةِ حِيَازَةً لِفَضِيلَتِهِمَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ يَقْرَأُ سُورَةً قَصِيرَةً لَا يَتَمَكَّنُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ مَعَهُ قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَمَعْنَى عَلَيْهِ: أَيْ يُسَنُّ لَهُ.
المتن وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكٍّ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا بَلْ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.
الشرحُ (وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ) مَعَ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ (أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ) بِنِسْيَانٍ (أَوْ شَكٍّ) فِي فِعْلِهَا هَلْ قَرَأَهَا أَمْ لَا (لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا) أَيْ إلَى مَحَلِّ قِرَاءَتِهَا لِيَأْتِيَ بِهَا: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ (بَلْ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ) تَدَارُكًا كَالْمَسْبُوقِ. أَمَّا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي رُكُوعِهِ وَلَمْ يَرْكَعْ الْإِمَامُ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِيَقْرَأَهَا، إذْ لَا مُتَابَعَةَ حِينَئِذٍ فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ قِيَامِ إمَامِهِ فِي أَنَّهُ سَجَدَ مَعَهُ أَمْ لَا سَجَدَ ثُمَّ تَابَعَهُ، فَلَوْ قَامَ مَعَهُ ثُمَّ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ لِلسُّجُودِ كَمَا أَفْتَى بِهِمَا الْقَاضِي، وَلَوْ سَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ إنَّهُ شَكَّ فِي أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ أَمْ لَا لَمْ يَعُدْ لِلرُّكُوعِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْرِيجًا عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ رَفْعِ إمَامِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فِي أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ أَمْ لَا عَادَ لِلرُّكُوعِ تَخْرِيجًا عَلَى الْأُولَى. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ فَوْتَ مَحَلِّ الْمَتْرُوكِ لِتَلَبُّسِهِ مَعَ الْإِمَامِ بِرُكْنٍ لَمْ يَعُدْ لَهُ وَإِلَّا عَادَ. . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى وَشَكَّ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَمْ لَا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَهَا حُسِبَتْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا فَشَكَّ فِي رُكُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ فَمَضَى ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ - أَيْ مَثَلًا أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَرَأَهَا فِي الْأُولَى فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، إذْ لَا اعْتِدَادَ بِفِعْلِهِ مَعَ الشَّكِّ ا هـ.
المتن فَلَوْ عَلِمَ أَوْ شَكَّ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ قَرَأَهَا وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ، وَقِيلَ يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.
الشرحُ وَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: قَالَ الْقَاضِي: فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِقِرَاءَتِهَا إلَى أَنْ يَخَافَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ فَيُخْرِجُ نَفْسَهُ (فَلَوْ عَلِمَ) الْمَأْمُومُ تَرْكَهَا (أَوْ شَكَّ) فِيهِ (وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ قَرَأَهَا) وُجُوبًا لِبَقَاءِ مَحَلِّهَا (وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالنِّسْيَانِ (وَقِيلَ) لَا يَقْرَأُ بَلْ (يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ) رَكْعَةً (بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ) لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، وَلَوْ انْتَظَرَ سَكْتَةَ إمَامِهِ لِيَقْرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَرَكَعَ إمَامُهُ عَقِبَهَا فَكَالنَّاسِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي قَوْلِهِ: بِسُقُوطِ الْفَاتِحَةِ عَنْهُ.
المتن وَلَوْ سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ.
الشرحُ (وَلَوْ سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ رَبَطَ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَهَذِهِ فُهِمَتْ مِنْ مَنْعِ الْمُقَارَنَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُكَرَّرَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا أَوْ ظَانًّا أَنَّ إمَامَهُ أَحْرَمَ فَأَحْرَمَ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَصَرَّحَا بِهِ؛ فَقَالَا: وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّ صَلَاتَهُ انْعَقَدَتْ مُنْفَرِدًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِنْ خِلَافُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ مِمَّا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ.
المتن أَوْ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَمْ يَضُرَّهُ وَيُجْزِئُهُ، وَقِيلَ تَجِبُ إعَادَتُهُ.
الشرحُ (أَوْ) سَبَقَهُ (بِالْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ) بِأَنْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِيهِ (لَمْ يَضُرَّهُ) ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِهِ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ (وَيُجْزِئُهُ) ذَلِكَ: أَيْ يُحْسَبُ لَهُ مَا أَتَى بِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَقِيلَ) لَا يُجْزِئُهُ، وَ (تَجِبُ إعَادَتُهُ) إمَّا مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ أَوْلَى إنْ تَمَكَّنَ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ أَوَّلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى فِعْلِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
المتن وَلَوْ تَقَدَّمَ بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إنْ كَانَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِرُكْنٍ.
الشرحُ (وَلَوْ تَقَدَّمَ) الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ (بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إنْ كَانَ) ذَلِكَ (بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ إذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَا طَوِيلَيْنِ أَمْ طَوِيلًا وَقَصِيرًا كَمَا مَرَّ فِي التَّخَلُّفِ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ، لَكِنْ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بَلْ يَتَدَارَكُهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَا يَخْفَى بَيَانُ السَّبْقِ بِرُكْنَيْنِ مِنْ قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّخَلُّفِ، وَلَكِنْ مَثَّلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، فَلِمَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ، فَلِمَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا فِي الِاعْتِدَالِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي التَّخَلُّفِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَا بِأَنْ يُقَدَّرَ مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا أَوْ بِالْعَكْسِ، وَأَنْ يَخْتَصَّ هَذَا بِالتَّقَدُّمِ لِفُحْشِهِ ا هـ. وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي إنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّأَخُّرِ. وَقَالَ النَّشَائِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ التَّسْوِيَةُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ بِرُكْنَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلِيٌّ، وَالْآخَرُ فِعْلِيٌّ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَثَّلَهُ فِي الْأَنْوَارِ بِالْفَاتِحَةِ وَالرُّكُوعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ التَّقَدُّمُ بِأَقَلَّ مِنْ رُكْنَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِرُكْنٍ أَمْ بِأَقَلَّ أَمْ بِأَكْثَرَ (فَلَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِقِلَّةِ الْمُخَالَفَةِ وَلَوْ تَعَمَّدَ السَّبْقَ بِهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ كَعَكْسِهِ، وَلَهُ انْتِظَارُهُ فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ لِيَرْكَعَ مَعَهُ إنْ تَعَمَّدَ السَّبْقَ جَبْرًا لِمَا فَاتَهُ، فَإِنْ سَهَا بِهِ تُخُيِّرَ بَيْنَ الِانْتِظَارِ وَالْعَوْدِ، وَالسَّبْقُ بِرُكْنٍ عَمْدًا - كَأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ - حَرَامٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ (لَا تُبَادِرُوا الْإِمَامَ: إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا)، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ رَوَاهَا الشَّيْخَانِ (أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ رَأْسِ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ) . وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّبْقَ بِبَعْضِ الرُّكْنِ، كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَحِقَهُ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ كَالسَّبْقِ بِرُكْنٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا (وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِرُكْنٍ) تَامٍّ فِي الْعَمْدِ لِمُنَاقَضَتِهِ الِاقْتِدَاءَ، بِخِلَافِ التَّخَلُّفِ، إذْ لَا يَظْهَرُ فِيهِ فُحْشُ مُخَالَفَةٍ. .
المتن خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقَطَعَهَا الْمَأْمُومُ جَازَ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، وَمِنْ الْعُذْرِ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ.
الشرحُ (فَصْلٌ) فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا إذَا (خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ) بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ (انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ) بِهِ لِزَوَالِ الرَّابِطَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ وَيَقْتَدِي بِغَيْرِهِ وَغَيْرُهُ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) أَيْ الْإِمَامُ (وَقَطَعَهَا الْمَأْمُومُ) بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (جَازَ) مَعَ الْكَرَاهَةِ لِمُفَارَقَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ الْمَطْلُوبَةِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا مُؤَكَّدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا فَارَقَهُ لِعُذْرٍ فَلَا كَرَاهَةَ لِعُذْرِهِ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهَا إمَّا سُنَّةٌ عَلَى قَوْلٍ، فَالسُّنَنُ لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، فَكَذَلِكَ إلَّا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ الْأُولَى فَارَقَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالْقِصَّةِ فَغَضِبَ وَأَنْكَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى الرَّجُلِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ). قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ، إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى، بَلْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْطَالِ لِعُذْرٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ انْفَرَدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ سُفْيَانَ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الشُّذُوذِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ إبْطَالِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ فَعَلَى إبْطَالِ صِفَتِهَا أَوْلَى. وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ الصَّلَاةِ كَانَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ، فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْعِشَاءِ، فَقَرَأَ (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ). قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ تُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ، وَيَبْعُدُ أَنَّهُ نَسِيَهُ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَةِ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ قَرَأَ بِهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَبِهَذِهِ فِي أُخْرَى (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ (لَا يَجُوزُ) أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُدْوَةَ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ وَفِيهِ إبْطَالٌ لِلْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [مُحَمَّدٌ] (إلَّا بِعُذْرٍ) فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْعُذْرَ بِمَا (يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) أَيْ ابْتِدَاءً، وَقَالَ: إنَّهُ أَقْرَبُ مُعْتَبَرٍ، وَأَلْحَقُوا بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَمِنْ الْعُذْرِ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ) وَالْمَأْمُومُ لَا يَصْبِرُ عَلَى التَّطْوِيلِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ (أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَنَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا فَتَأَخَّرْت وَصَلَّيْت) (أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ) أَوَّلٍ وَقُنُوتٍ فَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَأْتِيَ بِتِلْكَ السُّنَّةِ. .
تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ قَطْعُ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِيهَا شَرْطٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا، فَيَجُوزُ الْخُرُوجُ فِيهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، وَلَوْ تَعَطَّلَتْ الْجَمَاعَةُ بِخُرُوجِهِ وَقُلْنَا بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْهَا؛
المتن لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا انْحَصَرَ فِي شَخْصٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.
الشرحُ وَلَوْ رَأَى الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِهِ كَأَنْ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا أَوْ رَأَى خُفَّهُ تَخَرَّقَ وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ.
المتن وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الْقُدْوَةَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَتْبَعُهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا، فَإِنْ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ أَوْ هُوَ، فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ.
الشرحُ (وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الْقُدْوَةَ فِي خِلَالِ) أَيْ أَثْنَاءِ (صَلَاتِهِ) قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَشْهُورَةِ لَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَاقْتَدَوْا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَقْتَدِيَ بِهِ جَمَاعَةٌ فَيَصِيرُ إمَامًا، فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا (وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى) أَيْ غَيْرِ رَكْعَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ، وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْلِبَ الْفَرِيضَةَ نَفْلًا وَيُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إذَا وَسِعَ الْوَقْتُ كَمَا مَرَّ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ مُطْلَقًا هُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: مَحَلُّهُمَا إذَا اتَّفَقَا فِي الرَّكْعَةِ كَالْأُولَى أَوْ ثَانِيَةٍ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ فِي رَكْعَةٍ بَطَلَتْ قَطْعًا، وَقِيلَ: إنْ دَخَلَ قَبْلَ رُكُوعِهِ صَحَّتْ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ فِيمَنْ دَخَلَ بَعْدَهُ وَقِيلَ: إنْ دَخَلَ بَعْدَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ فِيمَا قَبْلَهُ.
تَنْبِيهٌ: إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ إذَا افْتَتَحَهَا فِي جَمَاعَةٍ فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَثَّلَهُ بِمَا إذَا أَحْرَمَ خَلْفَ جُنُبٍ جَاهِلًا ثُمَّ نَقَلَهَا عِنْدَ التَّبَيُّنِ إلَيْهِ بِطُهْرِهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَوْ أَحْدَثَ إمَامُهُ وَجَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فَاسْتَخْلَفَ، وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُونَ أَوْ الْمُقِيمُونَ خَلْفَ مُسَافِرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَدِيَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الْمَأْمُومِينَ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ دُونَهُمْ، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ حَصَلَتْ، فَإِذَا أَتَمُّوهَا فُرَادَى نَالُوا فَضْلَهَا، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهَا هُنَا الْجَوَازُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَكَذَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ: اعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِتَصْحِيحِ الِانْتِصَارِ الْمَنْعَ، وَعَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ حَيْثُ الْفَضِيلَةُ، وَالثَّانِي: مِنْ حَيْثُ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذِكْرِهِ جَوَازَ اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ. قَالَ: وَاقْتِدَاءُ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ كَغَيْرِهِ ا هـ. وَهُوَ جَمْعٌ مُتَعَيَّنٌ (ثُمَّ) بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ (يَتْبَعُهُ) وُجُوبًا فِيمَا هُوَ فِيهِ (قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا) أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ نَظْمِ صَلَاتِهِ لَوْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ رِعَايَةً لِلْمُتَابَعَةِ (فَإِنْ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ) فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ (أَوْ) فَرَغَ (هُوَ) أَوَّلًا (فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ) بِالنِّيَّةِ (وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ) فِي التَّشَهُّدِ إنْ كَانَ مَحَلَّ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ (لِيُسَلِّمَ مَعَهُ) وَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي اقْتِدَاءِ الصُّبْحِ بِالظُّهْرِ.
المتن وَمَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيُعِيدُ فِي الْبَاقِي الْقُنُوتَ.
الشرحُ (وَمَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ) مَعَ الْإِمَامِ (فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ) وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ آخِرَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَوَّلِهِ. فَإِنْ قِيلَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ). أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ}، إذْ الْجُمُعَةُ لَا تُقْضَى، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْقَضَاءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ خَارِجَ وَقْتِهَا (فَيُعِيدُ فِي الْبَاقِي الْقُنُوتَ) فِي مَحَلِّهِ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الصُّبْحِ وَقَنَتَ الْإِمَامُ فِيهَا، وَفِعْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ مُسْتَحَبٌّ لِلْمُتَابَعَةِ.
المتن وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ.
الشرحُ (وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ) مَعَ الْإِمَامِ وَأَرَادَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ (تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ) نَدْبًا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ وَتَشَهُّدُهُ مَعَ الْإِمَامِ لِلْمُتَابَعَةِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنَّا وَمِنْ الْمُخَالِفِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَى أَنَّ مَا يُدْرِكُهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَفَاتَتْهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِيهِمَا، فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا سُنَّ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْهَا كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ.
المتن وَإِنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ. قُلْت: بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرحُ (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ (رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ)، لِخَبَرِ (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى: كِتَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ سَوَاءٌ أَتَمَّ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ فَأَتَمَّهَا مَعَهُ أَمْ لَا كَأَنْ أَحْدَثَ فِي اعْتِدَالِهِ، وَسَوَاءٌ أَقَصَرَ الْمَأْمُومُ فِي تَحَرُّمِهِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ ثُمَّ أَحْرَمَ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إذَا قَصَّرَ فِي التَّكْبِيرِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ (قُلْت: بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ) يَقِينًا (قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ صَرَّحَ بِهِ وَأَنَّ كَلَامَ كَثِيرٍ مِنْ النَّقَلَةِ أَشْعَرَ بِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَكْثَرُونَ ا هـ وَفِي الْكِفَايَةِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. ا هـ. وَالْمُوَجَّهُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ بِدُونِ الطُّمَأْنِينَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَانْتِفَاؤُهَا كَانْتِفَائِهِ، وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ إدْرَاكُ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، فَلَوْ أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرُّكُوعِ كَاعْتِدَالٍ أَوْ فِيهِ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ أَوْ اطْمَأَنَّ وَالْإِمَامُ مُحْدِثٌ أَوْ فِي رَكْعَةٍ قَامَ إلَيْهَا سَهْوًا أَوْ فِي رُكُوعٍ زَائِدٍ كَأَنْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ظَانًّا جَوَازَهُ أَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الْكُسُوفِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَلَوْ أَتَى الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ الَّذِي لَمْ يُحْسَبْ رُكُوعُهُ بِالرَّكْعَةِ كَامِلَةً بِأَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ شَيْئًا. نَعَمْ إنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أَوْ سَهْوَهُ وَنَسِيَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
المتن وَلَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْإِجْزَاءِ لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي الْأَظْهَرِ.
الشرحُ (وَلَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْإِجْزَاءِ) الْمُعْتَبَرِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ (لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إدْرَاكِهِ، وَالثَّانِي: تُحْسَبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْإِمَامِ فِيهِ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِهِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَمَا جَزَمَ بِهِ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ خَالَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَصَحَّحَ أَنَّهُ وَجْهَانِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مَعَ تَصْحِيحِهِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ.
المتن وَيُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ لِلرُّكُوعِ، فَإِنْ نَوَاهُمَا بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَقِيلَ تَنْعَقِدُ نَفْلًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ
الشرحُ (وَيُكَبِّرُ) الْمَسْبُوقُ الَّذِي أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الرُّكُوعِ (لِلْإِحْرَامِ) وُجُوبًا كَغَيْرِهِ قَائِمًا فَإِنْ وَقَعَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا قَطْعًا وَلَا نَفْلًا عَلَى الْأَصَحِّ (ثُمَّ لِلرُّكُوعِ) نَدْبًا لِأَنَّهُ مَحْسُوبٌ لَهُ فَنُدِبَ لَهُ التَّكْبِيرُ (فَإِنْ نَوَاهُمَا) أَيْ الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ (بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ لِلتَّشْرِيكِ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ مَقْصُودَةٍ، وَادَّعَى الْإِمَامُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ (وَقِيلَ تَنْعَقِدُ نَفْلًا) قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ: أَيْ فَتَقَعُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ، وَدُفِعَ الْقِيَاسُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ جَامِعٌ مُعْتَبَرٌ. بَيَانُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي بِأَنَّ صَدَقَةَ الْفَرْضِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَدَقَةِ النَّفْلِ فَإِذَا بَطَلَ الْفَرْضُ صَحَّ النَّفَلُ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ تَكْبِيرَةِ الِانْتِقَالِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَالثَّانِي تَنْعَقِدُ فَرْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ قَرِينَةَ الِافْتِتَاحِ تَصْرِفُهَا إلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ يَقُولُ وَقَرِينَةُ الْهَوِيّ تَصْرِفُهَا إلَيْهِ فَإِذَا تَعَارَضَتْ الْقَرِينَتَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ صَارِفٍ. فَإِنْ قِيلَ: تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مُقَارِنَةً لِلتَّكْبِيرِ لَمْ يَفُتْهُ إلَّا كَوْنُ التَّكْبِيرِ لِلتَّحَرُّمِ، وَقَصْدُ الْأَرْكَانِ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقًا. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَارِفٌ وَلَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا لَمْ تَنْعَقِدْ أَيْضًا، فَإِنْ نَوَى التَّحَرُّمَ فَقَطْ أَوْ الرُّكُوعَ فَقَطْ لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي الْأُولَى وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ.
المتن وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ انْتَقَلَ مَعَهُ مُكَبِّرًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحَاتِ.
الشرحُ (وَلَوْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْإِمَامَ (فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ انْتَقَلَ مَعَهُ مُكَبِّرًا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ) نَدْبًا (فِي التَّشَهُّدِ) وَالتَّحْمِيدِ (وَالتَّسْبِيحَاتِ) أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي إكْمَالِ التَّشَهُّدِ، وَالثَّانِي: لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ مُوَافَقَتُهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَامِ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ.
المتن وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي سَجْدَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهَا
الشرحُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْإِمَامَ (فِي سَجْدَةٍ) مِنْ سَجْدَتَيْ الصَّلَاةِ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَهُمَا أَوْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ (لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهَا) أَيْ السَّجْدَةِ وَلَا إلَى مَا ذَكَرَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَلَا مُوَافَقَتُهُ لِلْإِمَامِ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ مَحْسُوبٌ لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْتَقَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهِ، وَالثَّانِي يُكَبِّرُ كَالرُّكُوعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَشْمَلُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ وَخَرَجَ ذَلِكَ بِتَقْيِيدِي لِعِبَارَتِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا مَحْسُوبَةٌ، أَيْ إذَا كَانَ سَمِعَ قِرَاءَةَ آيَةِ السَّجْدَةِ. وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يُكَبِّرْ وَإِلَّا كَبَّرَ.
المتن وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا إنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ.
الشرحُ (وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا) نَدْبًا (إنْ كَانَ) جُلُوسُهُ مَعَ الْإِمَامِ (مَوْضِعَ جُلُوسِهِ) لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ أَوْ ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُكَبِّرُ لَهُ الْمُنْفَرِدُ وَغَيْرُهُ بِلَا خِلَافٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُبْحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ثَانِيَةِ الرُّبَاعِيَّةِ (فَلَا) يُكَبِّرُ عِنْدَ قِيَامِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَكْبِيرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مُوَافَقَةٌ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي: يُكَبِّرُ لِئَلَّا يَخْلُوَ الِانْتِقَالُ عَنْ ذِكْرٍ، وَالسُّنَّةُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ الْأُولَى وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَهُمَا فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ فِي غَيْرِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ قَدْرُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. .
خَاتِمَةٌ: الْجَمَاعَةُ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صُبْحِ غَيْرِهَا ثُمَّ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْعَصْرِ أَفْضَلُ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ (إنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ عِنْدَ اللَّهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ)، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا الْعَصْرُ وَهُوَ الْحَقُّ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا لِتَأَكُّدِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا ا هـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالُوهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ لِمَا فِي قِيَامِ الصُّبْحِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَيَلِيهَا فِيهَا الْعِشَاءُ بِخِلَافِ الْعَصْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَيُحْتَمَلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا اُخْتُصَّتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُخَفِّفْ فِيهَا بِالْقَصْرِ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ لِتَقَابُلِ فَضِيلَتِهِمَا.
المتن إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ.
الشرحُ (بَابُ) كَيْفِيَّةِ (صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ الْمُخْتَصُّ الْمُسَافِرُ بِجَوَازِهِمَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ غَالِبًا، وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ لِلْمُقِيمِ. وَالْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النِّسَاءَ] الْآيَةَ. قَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْت لِعُمَرَ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنْ خِفْتُمْ} [النِّسَاءَ] وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ)، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْأَصْلُ فِي الْجَمْعِ أَخْبَارٌ تَأْتِي. وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ أَهَمَّ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ فَقَالَ: (إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ) فَلَا تُقْصَرُ الصُّبْحُ وَلَا الْمَغْرِبُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الصُّبْحَ لَوْ قُصِرَتْ لَمْ تَكُنْ شَفْعًا فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَالْمَغْرِبُ لَا يُمْكِنُ قَصْرُهَا إلَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وِتْرًا وَلَا إلَى رَكْعَةٍ لِخُرُوجِهَا بِذَلِكَ عَنْ بَاقِي الصَّلَوَاتِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرُّبَاعِيَّةُ مَكْتُوبَةً فَلَا تُقْصَرُ الْمَنْذُورَةُ كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَلَا النَّافِلَةُ كَأَنْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ مَثَلًا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ) فَلَا تُقْصَرُ فَائِتَةُ الْحَضَرِ فِي السَّفَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ. وَأَمَّا فَائِتَةُ السَّفَرِ فِي السَّفَرِ فَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَيْضًا (الطَّوِيلِ) فَلَا تُقْصَرُ فِي الْقَصِيرِ وَالْمَشْكُوكِ فِي طُولِهِ فِي الْأَمْنِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِي الْخَوْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ (فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً )، فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى (الْمُبَاحِ) أَيْ الْجَائِزِ لَا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ وَاجِبًا كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ مَنْدُوبًا كَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ، أَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ فَلَا قَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ خَرَجَ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ، أَوْ لِتَنْفِيذِ كِتَابٍ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهُ بِالْمُبَاحِ. وَالْإِتْمَامُ جَائِزٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ (عَائِشَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَصَرْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَأَتْمَمْتُ بِضَمِّهَا، وَأَفْطَرْتَ بِفَتْحِهَا وَصُمْتُ بِضَمِّهَا. قَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ) وَأَمَّا خَبَرُ (فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فِي السَّفَرِ كَمَا مَرَّ فَمَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَمَا ضَبَطْت بِهِ الْحَدِيثَ قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ عَكْسُ الضَّبْطِ الْمَذْكُورِ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ. ثُمَّ بَيَّنَ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: مُؤَدَّاةٍ فَقَالَ (لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ) أَيْ لَا تُقْصَرُ إذَا قُضِيَتْ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ تَامَّةً، وَكَذَا لَا تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ فَائِتَةٌ مَشْكُوكٌ فِي أَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ.
المتن وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ.
الشرحُ (وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ) الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ (فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ) الَّذِي كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَفَرِ الْفَائِتَةِ (دُونَ الْحَضَرِ) نَظَرًا إلَى وُجُودِ السَّبَبِ، وَالثَّانِي: يَقْصُرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ فِي الْأَدَاءِ، وَالثَّالِثُ: يُتِمُّ فِيهِمَا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ رُدَّتْ إلَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا فَاتَتْ أَتَى بِالْأَرْبَعِ كَالْجُمُعَةِ، وَالرَّابِعُ إنْ قَضَاهَا فِي ذَلِكَ السَّفَرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الْحَصْرِ لِلْقَصْرِ فِي الْمَقْضِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ عَلَى الرَّاجِحِ فَيَضُمُّ مِنْهُ إلَى الْمُؤَدَّاةِ مَقْضِيَّةً فَائِتَةَ السَّفَرِ فِيهِ، وَلَوْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ قَصَرَ عَلَى النَّصِّ، فَإِنْ بَقِيَ مَا يَسَعُ رَكْعَةً إلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَصَرَ أَيْضًا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا أَدَاءٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَلَا.
تَنْبِيهٌ: سَيَأْتِي فِي الْجَمْعِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى التَّأْخِيرَ وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ بِكَمَالِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَحَمَلَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِيرُ قَضَاءً وَلَا جَمْعَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ النِّيَّةَ ضَعِيفَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَعَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهَا تَكُونُ أَدَاءً، فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صُورَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَوْقَعَ رَكْعَةً فِي السَّفَرِ وَإِلَّا فَتَكُونُ مَقْضِيَّةَ حَضَرٍ فَلَا تُقْصَرُ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت، وَقَدْ عَرَضْت ذَلِكَ عَلَى شَيْخِنَا الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيِّ فَقَبِلَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ.
المتن وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُوَرِهَا فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: لَا يُشْتَرَطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرحُ (وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ) لَهَا سُوَرٌ (فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُوَرِهَا) الْمُخْتَصِّ بِهَا وَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَوْ كَانَ دَاخِلَهُ مَزَارِعُ وَخَرَابُ؛ لِأَنَّ مَا فِي دَاخِلِ السُّوَرِ مَعْدُودٌ مِنْ نَفْسِ الْبَلَدِ مَحْسُوبٌ مِنْ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا بَعْضُ سُورٍ وَهُوَ صَوْبُ سَفَرِهِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ (فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ) كَدُورٍ مُلَاصِقَةٍ لَهُ عُرْفًا (اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا مِنْ مَوَاضِعِ الْإِقَامَةِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ تَوَابِعِ الْبَلَدِ فَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا يُشْتَرَطُ) مُجَاوَزَتُهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبَلَدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: سَكَنَ فُلَانٌ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ السُّورِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلزَّكَاةِ، وَإِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ فِي الصَّوْمِ اشْتِرَاطُ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ حَيْثُ قَالَا: وَإِذَا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ الْفِطْرُ إنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُورَ لَهَا لِيُوَافِقَ مَا هُنَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يَأْتِ لِلْعِبَادَةِ بِبَدَلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَكَالسُّورِ وَهُوَ بِالْوَاوِ لَا بِالْهَمْزِ الْخَنْدَقُ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَلْ لِلسُّوَرِ الْمُنْهَدِمِ حُكْمُ الْعَامِرِ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ. وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ لَهُ حُكْمَهُ خِلَافًا لِلدَّمِيرِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ كَالْعَدَمِ.
المتن فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورُ الْبَلْدَةِ فَأَوَّلُهُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ لَا الْخَرَابِ وَالْبَسَاتِينِ، وَالْقَرْيَةُ كَبَلْدَةٍ.
الشرحُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهَا (سُورٌ) مُطْلَقًا أَوْ فِي صَوْبِ سَفَرِهِ أَوْ لَهَا سُورٌ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَا كَأَنْ جَمَعَ مَعَهَا قَرْيَةً أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ مَعَ التَّقَارُبِ (فَأَوَّلُهُ) أَيْ سَفَرِهِ (مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ) وَإِنْ تَخَلَّلَهُ نَهْرٌ أَوْ بُسْتَانٌ أَوْ خَرَابٌ حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتٌ مُتَّصِلٌ وَلَا مُنْفَصِلٌ لِيُفَارِقَ مَحَلَّ الْإِقَامَةِ (لَا) مُجَاوَزَةَ (الْخَرَابِ) الَّذِي هُجِرَ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ أَوْ زُرِعَ أَوْ انْدَرَسَ بِأَنْ ذَهَبَتْ أُصُولُ حِيطَانِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ إقَامَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ (وَ) لَا مُجَاوَزَةَ (الْبَسَاتِينِ) وَالْمَزَارِعِ بِهِ وَإِنْ اتَّصَلَتَا بِمَا سَافَرَ مِنْهُ أَوْ كَانَتَا مُحَوِّطَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا تُتَّخَذَانِ لِلْإِقَامَةِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبَسَاتِينِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا قُصُورٌ أَوْ دُورٌ تُسْكَنُ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْبَلَدِ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ: أَيْ وَإِنْ اشْتَرَطَ فِي الرَّوْضَةِ مُجَاوَزَتَهَا، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُحَرَّرِ الْمَزَارِعَ الَّتِي زِدْتهَا لِأَنَّهَا تُفْهَمُ مِنْ الْبَسَاتِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَالْقَرْيَةُ) فِيمَا ذُكِرَ (كَبَلْدَةٍ) وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا، وَالْمُنْفَصِلَتَانِ وَلَوْ يَسِيرًا يَكْفِي مُجَاوَزَةُ إحْدَاهُمَا.
المتن وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ الْخِيَامِ مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ.
الشرحُ (وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ الْخِيَامِ) كَالْأَعْرَابِ (مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ) فَقَطْ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُهَا لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَدْخُلُ فِي مُجَاوَزَتِهَا عُرْفًا مَرَافِقُهَا كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ، وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ مَوَاضِعِ إقَامَتِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مُجَاوَزَةِ الْمَرَافِقِ مُجَاوَزَةُ عَرْضِ الْوَادِي إنْ سَافَرَ عَرْضَهُ وَالْهُبُوطُ إنْ كَانَ فِي رَبْوَةٍ وَالصُّعُودُ إنْ كَانَ فِي وَهْدَةٍ. هَذَا إنْ اعْتَدَلَتْ الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهَا أَكْتَفَى بِمُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ عُرْفًا، وَالْحِلَّتَانِ كَالْقَرْيَتَيْنِ، وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى مُحْتَطِبٍ أَوْ مَاءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَّسِعَ بِحَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِالنَّازِلِينَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ سَاكِنَ غَيْرِ الْأَبْنِيَةِ وَالْخِيَامِ كَنَازِلٍ بِطَرِيقٍ خَالٍ عَنْهُمَا رَحْلُهُ كَالْحِلَّةِ فِيمَا تَقَرَّرَ
فَائِدَةٌ: الْخَيْمَةُ أَرْبَعَةُ أَعْوَادٍ تُنْصَبُ وَتُسْقَفُ بِشَيْءٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَجَمْعُهَا خَيْمٌ كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، وَتُجْمَعُ الْخِيَمُ عَلَى خِيَامٍ فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَأَمَّا مَا يُتَّخَذُ مِنْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُقَالُ لَهُ خِبَاءٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ خَيْمَةٌ تَجَوُّزًا. وَيُعْتَبَرُ فِي سَيْرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِلِ سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا. قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا صَارَ خَارِجَ الْبَلَدِ تَرَخَّصَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُلْصَقًا بِالسُّورِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ آخِرَ عُمْرَانِ مَا لَا سُورَ لَهُ كَالسُّورِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: سَيْرُ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ أَوْ يُمْنَعُ أَنَّ آخِرَ الْعُمْرَانِ كَالسُّورِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ عَلَى مَا لَا سُورَ لَهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَتْ قَرْيَةٌ لَا سُورَ لَهَا بِأُخْرَى كَذَلِكَ كَانَتَا قَرْيَةً، بِخِلَافِ اتِّصَالِ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ بِأُخْرَى، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ السَّفَرِ لِتَعَلُّقِ الْقَصْرِ فِي الْآيَةِ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَيُخَالِفُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ كَالْقِنْيَةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ كَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْمُكْثُ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا سَيَأْتِي فَالْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ مُسْتَوِيَتَانِ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ لِفَارِقٍ.
المتن وَإِذَا رَجَعَ
الشرحُ (إذَا) فَارَقَ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ثُمَّ (رَجَعَ) إلَيْهِ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِحَاجَةٍ كَتَطَهُّرٍ أَوْ نَوَى الرُّجُوعَ لَهُ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ وَلَوْ بِمَكَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ، فَإِنْ كَانَ وَطَنَهُ صَارَ مُقِيمًا بِابْتِدَاءِ رُجُوعِهِ أَوْ نِيَّتِهِ فَلَا يَتَرَخَّصُ فِي إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَى أَنْ يُفَارِقَ وَطَنَهُ تَغْلِيبًا لِلْوَطَنِ، وَحَكَى فِيهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَهُ ا هـ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ تَرَخَّصَ وَإِنْ دَخَلَهُ وَلَوْ كَانَ دَارَ إقَامَتِهِ لِانْتِفَاءِ الْوَطَنِ فَكَانَتْ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ.
المتن انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً.
الشرحُ فَإِنْ رَجَعَ مِنْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ (انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً) مِنْ سُورٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَهِيَ سَفَرُهُ إلَّا بِدُخُولِ الْعُمْرَانِ أَوْ السُّورِ كَمَا لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ هُوَ الْمَنْقُولُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِتَحَقُّقِ السَّفَرِ وَتَحَقُّقُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ ذَلِكَ وَالسَّفَرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ مُبْتَدَأَ سَفَرِهِ مِنْ وَطَنِهِ وَإِنْ كَانَ مَارًّا بِهِ فِي سَفَرِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ بَعِيدٍ قَاصِدًا الْمُرُورَ بِهِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ لَا مِنْ بَلَدٍ يَقْصِدُهُ وَلَا بَلَدٍ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ وَيَنْتَهِي أَيْضًا بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ.
المتن وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ.
الشرحُ (وَلَوْ نَوَى) الْمُسَافِرُ الْمُسْتَقِلُّ وَلَوْ مُحَارِبًا (إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) تَامَّةٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَأَطْلَقَ (بِمَوْضِعٍ) عَيَّنَهُ صَالِحٌ لِلْإِقَامَةِ، وَكَذَا غَيْرُ صَالِحٍ كَمَفَازَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ (انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ) أَيْ بِوُصُولِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَقْصُودُهُ أَمْ فِي طَرِيقِهِ أَوْ نَوَى بِمَوْضِعٍ وَصَلَ إلَيْهِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ مُكْثِهِ إنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا. وَلَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِلَا نِيَّةٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِتَمَامِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْقَصْرَ بِشَرْطِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَالْمُقِيمُ وَالْعَازِمُ عَلَى الْإِقَامَةِ غَيْرُ ضَارِبٍ فِي الْأَرْضِ، وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ أَنَّ مَا دُونَ الْأَرْبَعِ لَا يَقْطَعُ السَّفَرَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ (يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا) وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةُ الْكُفَّارِ، فَالتَّرَخُّصُ فِي الثَّلَاثِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَنَعَ عُمَرُ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْإِقَامَةَ فِي الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِلتَّاجِرِ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ، وَفِي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ مَا فَوْقَهَا وَدُونَ الْأَرْبَعَةِ، وَأُلْحِقَ بِإِقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ نِيَّةُ إقَامَتِهَا، أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ السَّفَرُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَكَذَا لَوْ نَوَاهَا غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَالْعَبْدِ وَلَوْ مَاكِثًا.
المتن وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشرحُ (وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ (يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ) إذَا دَخَلَ نَهَارًا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْحَطَّ وَفِي الثَّانِي الرَّحِيلَ وَهُمَا مِنْ أَشْغَالِ السَّفَرِ، وَالثَّانِي: يُحْسَبَانِ كَمَا يُحْسَبُ فِي مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ يَوْمَ الْحَدَثِ وَيَوْمَ النَّزْعِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ بِالسَّيْرِ، وَإِنَّمَا يَسِيرُ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ فِي يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ سَائِرٌ فِي بَعْضِ النَّهَارِ بِخِلَافِ اللُّبْسِ. فَإِنَّهُ مُسْتَوْعِبٌ لِلْمُدَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا يُحْسَبَانِ إنَّمَا يُحْسَبَانِ بِالتَّلْفِيقِ لَا يَوْمَانِ كَامِلَانِ، فَلَوْ دَخَلَ زَوَالُ السَّبْتِ لِيَخْرُجَ زَوَالُ الْأَرْبِعَاءِ أَتَمَّ، أَوْ قَبْلَهُ قَصَرَ، فَإِنْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ تُحْسَبْ بَقِيَّةُ اللَّيْلَةِ، وَيُحْسَبُ الْغَدُ وَمُقَامُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ مَا يُقِيمُهُ لَوْ دَخَلَ نَهَارًا، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ بَلْ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ فَيَتَرَخَّصُ بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ، وَعَلَى الصَّحِيحِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً.
تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ فَاقْتَضَى قُوَّةَ الْخِلَافِ خِلَافًا لِتَعْبِيرِهِ هُنَا بِالصَّحِيحِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
المتن وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ أَرْبَعَةً، وَفِي قَوْلٍ أَبَدًا، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي خَائِفِ الْقِتَالِ لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَلَا قَصْرَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشرحُ (وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ) مَثَلًا (بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ) أَوْ حَبَسَهُ الرِّيحُ بِمَوْضِعٍ فِي الْبَحْرِ (قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهَا بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ تَجْبُرُهُ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ. وَرُوِيَ " خَمْسَةَ عَشَرَ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ ". رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ إلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ، فَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ بِأَنَّ رَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَرَاوِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ. وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعِيفَةٌ، وَرِوَايَةُ عِشْرِينَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَشَاذَّةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورُ آنِفًا. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا الْجَمْعُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ: يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهَا مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ بِأَنَّ رَاوِيَ الْعِشْرِينَ عَدَّ الْيَوْمَيْنِ، وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَرَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ ا هـ وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَدَّمَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ مَعَ أَنَّهَا أَصَحُّ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ عِمْرَانَ لَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَفِيهِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ (وَقِيلَ) يَقْصُرُ (أَرْبَعَةً) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ التَّرَخُّصَ إذَا امْتَنَعَ بِنِيَّةِ إقَامَتِهَا فَبِإِقَامَتِهَا أَوْلَى، لِأَنَّ الْفِعْلَ أَبْلَغُ مِنْ النِّيَّةِ (وَفِي قَوْلٍ) يَقْصُرُ (أَبَدًا) أَيْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ حَاجَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ لَقَصَرَ فِي الزَّائِدِ أَيْضًا (وَقِيلَ: الْخِلَافُ) الْمَذْكُورُ، وَهُوَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ (فِي خَائِفِ الْقِتَالِ) وَالْمُقَاتِلِ (لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ) كَالْمُتَفَقِّهِ فَلَا يَقْصُرَانِ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْحَرْبِ أَثَرًا فِي تَغْيِيرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقِتَالَ لَيْسَ هُوَ الْمُرَخِّصَ، وَإِنَّمَا الْمُرَخِّصُ السَّفَرُ، وَالْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَارَقَ مَكَانَهُ ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِ اسْتَأْنَفَ الْمُدَّةَ: لِأَنَّ إقَامَتَهُ فِيهِ إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ فَلَا تُضَمُّ إلَى الْأُولَى بَلْ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ فِيهِ: لَوْ خَرَجُوا وَأَقَامُوا بِمَكَانٍ يَنْتَظِرُونَ رُفْقَتَهُمْ، فَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ أَتَوْا سَافَرُوا أَجْمَعِينَ وَإِلَّا رَجَعُوا لَمْ يَقْصُرُوا لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ، وَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَأْتُوا سَافَرُوا قَصَرُوا لِجَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ، وَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْقَصْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَطَّرِدُ فِي بَاقِي الرُّخَصِ كَالْجَمْعِ وَالْفِطْرِ، وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الْوَجِيزِ بِالتَّرَخُّصِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ سَائِرُ الرُّخَصِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ تَوَجُّهُ الْقِبْلَةِ فِي النَّافِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا سُقُوطَ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ (وَلَوْ عَلِمَ) الْمُسَافِرُ (بَقَاءَهَا) أَيْ حَاجَتِهِ (مُدَّةً طَوِيلَةً) وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا كَأَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّزُ شُغْلُهُ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ (فَلَا قَصْرَ) لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ سَاكِنٌ مُطْمَئِنٌّ بَعِيدٌ عَنْ هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ، بِخِلَافِ الْمُتَوَقِّعِ لِلْحَاجَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِيَرْحَلَ، وَوَجْهُ الْقَصْرِ الْقِيَاسُ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ الْجَزْمُ بِالْمَنْعِ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ فِيهِ غَلَطٌ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ.
|